نعم، لعل جملة العنوان مبهمة، لكنها تكاد أن تكون حقيقة واقعة عن قريب لكل منا، فإن الايام تتتابع تتابعا، وتتلاحق خلف بعضها بعضا مسرعة هائجة، وكأن سني العمر تسابق بعضها لترحل إلى ربها.
إن العمر قد إنتهى أو أنه يوشك على النهاية، فما العمر إلا مجموعة ايام منعقدة معا كأنها عقد مربوط، ما يلبث أن تنفك حباته وتنفرط روابطه فيذهب كله.
إنما أنت ايام فإذا ذهب يومك ذهب بعضك، تلكم كانت مقولة السلف الصالحين في وصف العمر.
«مالي ودنياكم، ماأنا والدنيا إلا كراكب استظل في ظل شجرة ثم ذهب وتركها» ابن ماجه، وتلكم كان وصف الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم في العمر والدنيا
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تَقومُ السَّاعةُ حتَّى يتَقاربَ الزَّمانُ، فتكونُ السَّنةُ كالشَّهرِ، والشَّهرُ كالجُمُعةِ، وتكون الجُمُعةُ كاليومِ، ويكون اليومُ كالسَّاعةِ، وتكون السَّاعةُ كالضَّرمَةِ بالنَّارِ» أخرجه أحمد والترمذي، قال تعالى: {وَيَومَ يحشُرُهُمْ كأَنْ لَم يَلْبثُوا إلاَّ ساعةً مِن نَّهارٍ يَتعارَفُونَ بَينَهُم}.
إن قوما فرحوا بأعمارهم، وغفلوا عن كونها توشك على النهاية، فتصارعوا على الحياة، فضروا وأضروا، وآذوا وأوذوا، وظلموا وتجبروا، وعصوا وتعدوا حدود الله سبحانه، راكنين إلى فرحة مؤقتة وسعادة راحلة، ونعيم زائل، وسلطان منته غير قائم، ونسوا ما ينتظرهم من الحق، نسوا الموت القادم القريب، ونسوا الحساب الشديد، ونسوا القدوم على الملك الجبار، عرايا فرادى، ضعفاء كسراء أذلاء، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يَتبَعُ الميِّتَ ثلاثَةٌ، فَيرجِعُ اثنانِ وَيَبقَى مَعَهُ واحدٌ، يَتْبعُهُ أَهْلُهُ وُمالُهُ وَعَمَلُهُ، فَيرجِعُ أهلُهُ ومالُهُ، ويَبقَى عَمَلُهُ» متفق عليه
وكان أبو الدرداء رضي الله عنه يقول: ابنَ آدمَ إنَّكَ لم تَزَلْ في هَدْمِ عُمُركَ مُنذ يومِ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ، الزهد لابن أبي الدنيا.
إن الذي يعيش غير غافل عن النهاية يعيش متحسبا لها، مهتما لداره الأخرى التي سينتقل إليها قريبا، فيعمرها بما يحب، فيأخذ من حياته ما يعينه على سفره الطويل.
ويقول ميمون بن مهران: لا يكونُ الرَّجُلُ تَقِيًّا حتَّى يحاسِبَ نفسَهُ محاسَبَةَ شَريكِهِ، وحتَّى يَعْلَمَ مِن أَينَ مَلْبَسُهُ ومَطْعَمُهُ ومَشْرَبُهُ -الزهد لوكيع.
قال الماوردي: أن يتَصفَّحَ الإنسانُ في لَيلِهِ ما صَدَرَ من أفعالِ نَهارِهِ، فإن كان محموداً أمضاهُ وأَتبَعَهُ بما شَاكَلَهُ وضَاهاهُ، وإن كان مَذْمُوماً استدْرَكَهُ وانتَهَى عَن عَمَلِ مِثلِهِ -أدب الدنيا والدين.
قال مالك بن دينار: رَحِمَ اللهُ عَبداً قالَ لنفسِهِ كلَّ ليلةٍ: أَلستِ صاحبةَ كَذا؟! ألستِ صاحِبةَ كذا؟! ثُمَّ ذَمَّها، ثُمَّ خَطَمَها، ثُمَّ أَلْزَمَها كِتابَ الله وَكانَ لها قائِدا -محاسبة النفس لابن أبي الدنيا.
الكاتب: خالد رُوشه.
المصدر: موقع المسلم.